responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 515
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: يُقَالُ أَمْكَنَنِي الْأَمْرُ يُمْكِنُنِي فَهُوَ مُمْكِنٌ وَمَفْعُولُ الْإِمْكَانِ مَحْذُوفٌ، وَالْمَعْنَى: فَأَمْكَنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ خَانُوا اللَّه بِمَا أَقْدَمُوا عَلَيْهِ مِنْ مُحَارَبَةِ الرَّسُولِ يَوْمَ بَدْرٍ فَأَمْكَنَ اللَّه مِنْهُمْ قَتْلًا وَأَسْرًا، وَذَلِكَ نِهَايَةُ الْإِمْكَانِ وَالظَّفَرِ. فَنَبَّهَ اللَّه بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ ذَاقُوا وَبَالَ مَا فَعَلُوهُ ثَمَّ، فَإِنْ عَادُوا كَانَ التَّمْكِينُ مِنْهُمْ ثَابِتًا حَاصِلًا، وَفِيهِ بِشَارَةٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ كُلِّ مَنْ يَخُونُهُ وَيَنْقُضُ عَهْدَهُ.
ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهُ عَلِيمٌ أَيْ بِبَوَاطِنِهِمْ وَضَمَائِرِهِمْ حَكِيمٌ يُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 72 الى 75]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى قَسَّمَ الْمُؤْمِنِينَ فِي زَمَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، وَذَكَرَ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَتَقْرِيرُ هَذِهِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ظَهَرَتْ نُبُوَّتُهُ بِمَكَّةَ وَدَعَا النَّاسَ هُنَاكَ إِلَى الدِّينِ، ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَحِينَ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ صَارَ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ وَافَقَهُ فِي تِلْكَ الْهِجْرَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُوَافِقْهُ فِيهَا بَلْ بَقِيَ هُنَاكَ.
أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فَهُمُ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ، وَقَدْ وَصَفَهُمْ بقول: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُمُ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ:
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ مَوْصُوفُونَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْأَرْبَعَةِ: أَوَّلُهَا: أَنَّهُمْ آمَنُوا باللَّه وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَقَبِلُوا جَمِيعَ التَّكَالِيفِ الَّتِي بَلَّغَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَتَمَرَّدُوا، فَقَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ يُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى.
وَالصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: وَهاجَرُوا يَعْنِي: فَارَقُوا الْأَوْطَانَ، وَتَرَكُوا الْأَقَارِبَ وَالْجِيرَانَ فِي طَلَبِ مَرْضَاةِ اللَّه، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ حَالَةٌ شَدِيدَةٌ، قَالَ تَعَالَى: أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ [النِّسَاءِ: 66] جَعَلَ مُفَارَقَةَ الْأَوْطَانِ مُعَادِلَةً لِقَتْلِ النَّفْسِ، فَهَؤُلَاءِ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى تَرَكُوا الْأَدْيَانَ الْقَدِيمَةَ لِطَلَبِ مَرْضَاةِ اللَّه تَعَالَى، وَفِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ تَرَكُوا الْأَقَارِبَ وَالْخِلَّانَ وَالْأَوْطَانَ وَالْجِيرَانَ لِمَرْضَاةِ اللَّه تَعَالَى.
وَالصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمَّا الْمُجَاهَدَةُ بِالْمَالِ فَلِأَنَّهُمْ لَمَّا فَارَقُوا الْأَوْطَانَ فَقَدْ ضَاعَتْ دُورُهُمْ وَمَسَاكِنُهُمْ وَضِيَاعُهُمْ وَمَزَارِعُهُمْ، وَبَقِيَتْ فِي أَيْدِي الْأَعْدَاءِ، وَأَيْضًا فَقَدِ احْتَاجُوا إِلَى الْإِنْفَاقِ الْكَثِيرِ بِسَبَبِ تِلْكَ الْعَزِيمَةِ، وَأَيْضًا كَانُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْغَزَوَاتِ، وَأَمَّا الْمُجَاهَدَةُ بِالنَّفْسِ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 515
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست